أحلام مستغانمى امرأة تقف على حافة الاعتراف

Share it:


هي هكذا دوما.. امرأة تقف على حافة الاعتراف والمكاشفة، تقول كلماتها دون تجميل أو مواربة.. تصرّ، كعادتها، على ذرّ الملح بعمق الجرح، ليس سادية مجانية منها، ولكن لأنها تدرك، تماما، أن آخر العلاج الكي.هي امرأة الألف قضية.. كاتبة تحتمي بلهجتها الجزائرية وترى فيها “آخر حصون الغربة”. وفي الغربة أيضا أرادت أن تكرّس لفكرة أنها من وطن أنجب البنادق والأقلام على حدّ سواء. تعتز بأيام الطرب الجزائري الأصيل ورجالاته وتنتقد بحدة “الأشباه” اليوم. ولم تخف أيضا ألمها العميق من تقزيم قضايانا وكيف أن دموعنا غدت رخيصة وأمنياتنا صغيرة... أحلام، التي تبحث عن المثالية في كل شيء، ككاتبة نرجسية، صدمت من انحدار “ذاكرة الجسد” تلفزيونيا في نصفه الثاني، حاربت لتنقذ ما يمكن إنقاذه، ولامت في الشركة المنتجة استخفافها بجزئيات جماليات قسنطينة والجزائر.أحلام مستغانمي.. كاتبة تؤخذ ككل، لا يمكن تجزئة تفاصيلها.. قد لا تروقك صراحتها، لكنك ستقتنع لاحقا أو في أي وقت آخر بجدية قولها. وفي هذا الحوار تركت لنا شذرات من أفكار وأحكام وحقائق مختلفة باختلاف القضايا التي
تحملها كهاجس داخلي..
كيف أنّ ثلاثين سنة من الغربة.. وهذا الكمّ من النجاحات العربيّة والعالميّة لم يترك بصماته على شخصيّك ولا على لغتك؟
إنّه السؤال الذي يطرحه عليّ معظم الجزائريين الذين ألتقي بهم في المشرق أو الخليج العربي. أوّل ما يشدّهم إليّ، ما
أوقظ فيهم من حنين إلى الجزائر بسبب ما يتخلّل كلامي من أمثال شعبيّة معروفة، كما العزيزة فضيلة السويسي والصديق
مدني عامر الذين أجالسهم كلما زرتُ أبو ظبي، جميعهم يطوّقونني بمحبّتهم لأنّ فيّ فائض من تلك الأصالة الجزائريّة التي
تجمعنا، وتسكن وجداننا رغم سنوات الغربة. نحن في المنابر نتحدّث بفصاحة عالية، لنثبت للمشرق أنّنا لسنا أقلّ عروبة
منه، وفي الحياة اليوميّة نتحدّث بلهجة جزائريّة “قح” كي لا نكون أقلّ جزائرية ممّن هم في الجزائر.غير أنّي شخصيًّا ربما كنتُ
أمثّل حالة استثنائيّة مقارنة بمن أرى حولي في لبنان مثلاً من جزائريّات تحت الأضواء وصلن بعدي بسنوات، وبعضهن وصل للتوّ
لكنّهن يتكلّمن اللهجة اللبنانيّة بطلاقة. بينما ما استطعت بعد ثلاثين سنة أن ألفظ جملة باللهجة المشرقيّة. إلى درجة أنّي ما تحدّثت مع أحد إ لّ وظنّني وصلتُ للتو وسألني كيف وجدتُ لبنان.. أعتقد أنّ لهجة المرء هي حصنه الأخير في الغربة، عليه أن يدافع عنها لأنّها لغة الدم، فليس باستطاعة المرء أن يغيّر فصيلة دمه حتى إلى فصيلة دم أخيه.. هذا إن كان أصيلاً. لكنّ بعض المشارقة مازالوا غير مصدّقين أنّنا نتقن في الجزائر العربيّة وقد نضاهيهم أو نفوقهم أحيانا إلماماً بها.
دائماً قلتُ لهؤلاء أنّني من جيل يباهي أنّه تعلّم العربيّة في الجزائر لا خارجها، مثلي مثل الإعلاميين الجزائريين الذين هم اليوم
نجوم الشاشات العربيّة أو مديروها. نحن لم نتفوّق على أحد معرفة بالعربيّة، بل حبًّا لها.
إنّ الشغف بهذه اللغة هو سرّ الأقلام العربيّة المميّزة التي أنجبها الأدب الجزائري من كتّاب جيلي. لكأنّك في كلّ ما تقولين وتكتبين تواصلين معركة ما.ربما كان هذا صحيحاً.. فطالما تمنّيت أن أثبت أنّني من وطن لا ينجب البنادق فحسب بل يُنجب الأقلام أيضاً، وبها يخوض المعارك، لذا تباهي الأمم بكتّابها كما تباهي بقادتها ورجالاتها. هذا في زمن مضى..
أمّا اليوم فقد قلتِ في مقال شهير بعنوان “بلاد المطربين أوطاني” إنّ الأوطان أصبحت تنسب لمطربيها لا لرجالاتها وهو للتوضيح
مقال نشرته سنة 2005 ، وتمّ تداوله على نطاق واسع وفي أكثر من منبر.
هل مقالك هذا لايزال صالحا في هذا الوقت الثانية من القرن الواحد والعشرين؟
بطبيعة الحال لأنّنا نعيش حاليا في زمن المغنين والمطربين.. الدليل مع الأسف أن أمنية أحلام مستغانمى امرأة تقف على حافة الاعتراف الشباب العربي أصبحت مقتصرة على أن يُصبح مغنيا، فبالنسبة له هذا هو الطريق الأقصر والسريع للجاه والشهرة والثراء، بدل أن يتعلّم أحدهم ويكوّن نفسه لبلوغ وظائف سامية، غير أنّ الأمّة مهيّأة لدعم هذا الخيار البائس لشباب اليوم فقد وجدت فيه أقصر طريق لاغتيال القضايا العربية الكبرى.
اغتيال مرة واحدة ؟
لم يعد هناك أصلا قضية، لقد اغتيلت القضايا.. تصوّر في جيلنا كنّا مستعدّين للموت من أجل ما كنّا نراه قضيّة. الآن لا أحد يموت من أجل الوطن أو من أجل مبدأ. الياباني يموت ولا يبكي بل ينتحر ولا يبكي، بينما العربي يبكي وهو في الطوابير أمام أبواب السفارات طلباً لتأشيرة، أو في طوابير لملء استمارة للمشاركة في برنامج ستار أكاديمي. كم دموعنا غدت رخيصة،
وأمنياتنا صغيرة. ما يؤلم حقّا هذا هو أنّ المغنّي غدا النجم والقدوة والمعلّم الذي تتخرّج على يده الأجيال، ومرجعاً في صرعات
الموضة. لكن هذا المغني له رسالته، بغض النظر عن هندامه؟
أين هذه الرسالة النبيلة؟،

هل جيل ستار أكاديمي يملك رسالة نبيلة؟ دلّني عليها.
لكن دعني أوضّح أنّ هناك مطربين مثقفين، وأنا لم أطلب من الشاب خالد أن يكون مثقفاً، لكنّه بحكم شهرته غدا صورة عن الجزائر وهو يقدّم صورة عنّا لا تشبهنا. لقد شاهدته قبل سنوات في برنامج فرنسي، وهو يضع قرطاً في أذنه، وكلبا في حجره،
ولا أنّ هذا نموذجاً للشباب الجزائري، على أيامي من كان يُغني كان يحمل رسالة فنية نبيلة كعبد الحميد عبابسة ورابح درياسة
وأحمد وهبي، هؤلاء مثّلوا الفن الجزائري وكانوا رجالاً في مظهرهم وفي غيرتهم على الجزائر.
إذن حسب أحلام مستغانمي لا مكان في هذا الزمن إلا للمطربين الذين لا يملكون رسالة، فهل انتهى زمن المثقف؟
طبعا وصلنا لهذا الزمن والدول تشجّع أمثال هؤلاء للتنفيس عن الطاقة التي يحملها الشباب. النجوميّة اليوم يتقاسمها
المطرب واللاعب، والفكر أصبح في مرتبة ثانوية، خاصّة. المثير للانتباه أنّ مقالاتك لا تقلّ انتشاراً عن رواياتك، فنادراً ما نجد مقالاً مرّت عليه سنوات ولا زال يُعاد نشره وتداوله بهذه القوة. صحيح أنّ هذا المقال بالذات انتشر انتشاراً مخيفاً، وهذا يدلّ على سطوة
التكنولوجيا. فشبكة الانترنت أصبحت مخيفة اليوم، وأتوقّع أنّ أكثر من مليون عربي وربما مليونين قرأ هذا المقال. لأنّ “الفان” الموزّعين على صفحات الفيس بوك التي تخصّني وتطوّع معجبون بتأسيسها. يفوق عددهم النصف مليون.. وكلّ مقال
أنشره يتمّ تداوله حسب الإحصائيات بأعداد مضروبة بأربعة. مع العلم أنّني لم أنشر هذا المقال في موقعي، بل تبنّته مواقع
كثيرة وتناوبت على نشره، لأنّه كان يطرح قضيّة لا مجرّد فكرة. أليس عيبا أنّ أوطاناً كانت تنسب إلى الأبطال غدت تُنسب إلى
صبيان ولدوا للتوّ على بلاتوهات ستار أكاديمي وما شابهها.كما حدث في أكثر من بلد عربي كرّم فيه مغنّي مبتدئ وأهين
فيه مناضل خرّيج المعتقلات الاسرائيليّة حتى استحقّ، كما محمود سواركة، لقب عميد الأسرى المصريين. فهذا الرجل الذي
غادر بعد اثنتين وعشرين سنة زنزانته لم يجد أحداً في انتظاره من “الجماهير” التي ناضل من أجلها، ولا استحق خبر إطلاق
سراحه أكثر من مربّع في جريدة، بينما اضطر مسؤولو الأمن في مطار القاهرة إلى تهريب نجم “ستار أكاديمي” محمد عطيّة
بعد وقوع جرحى جرّاء تَدَافُع مئات الشبّان والشابّات، الذين ظلُّوا يتردّدون على المطار مع كلّ موعد لوصول طائرة من بيروت.لقد
كتبتُ هذا الكلام قبل خمس سنوات من الآن ونسيته. لكنّ الجميل أن يكون اليساريون،
كما الاسلاميون، قد تبنّوه على المواقع الإلكترونيّة. مما جعل تداوله في تزايد كما كرة الثلج.
يبدو أنّك نسيت المقال لكنّ القرّاء لم ينسوه، مما يعني أن الأوطان العربيّة ليست بلاداً للمطربين فقط، بل هي بلاد أيضا لكتّاب من طينتك؟
.جميل أن يمنّ الله على كاتب بالقدرة على التأثير على ملايين الناس. إنّها سلطة الاسم التي يكتسبها الكاتب بالدفاع عن اسمه
كلّ لحظة، وفي كل موقف، لأنّه لا يملك إ لّرصيد الاسم النظيف. ليس في الأمر جاه بل مسؤوليّة تجعل الكاتب يعيش تحت رعب
التاريخ والخوف من أن يزلّ قلمه.. خاصة أنّنا في زمن الانترنت، وكلّ ما يكتبه كاتب هو موثّق إلى الأبد. لذا تجدني أخاف من أيّ
كلمة أنشرها أو تُنسب إليّ. لهذه الدرجة تخاف سيدة الرواية العربية من الكلمة؟
أنا مثل قائد جيش وسبق أن قلت “عندما ترفع سلاحا أنت جندي وعندما ترفع قلماً أنت جيش عتاده عدد قرائك”. عندما يفوق
عدد قرّائك عدد بعض الجيوش العربيّة، عليك أن تقود جيشك لمعارك رابحة وأن تتبنّى قضايا كبيرة. فالكاتب يساوي القضايا التي يدافع عنها وليس اللغات التي تُرجم إليها ولا الجوائز التي تحصّل
Share it:

امرأة

Post A Comment:

0 comments: